فصل: عَقْلُ الْمُوضِحَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الَّذِينَ يَسْقُونَ السَّيْكَرَانَ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْقُونَ النَّاسَ السَّيْكَرَانَ إنَّهُمْ مُحَارِبُونَ إذَا سَقَوْهُمْ لِيَسْكَرُوا فيأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُمْ مُحَارِبُونَ يُقْتَلُونَ.
قُلْت: هَذَا يَدُلُّنِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، إنَّ مَنْ حَارَبَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ أَنَّهُ مُحَارِبٌ؟
قَالَ: نَعَمْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْت مُحَارِبِينَ أُخِذُوا وَقَدْ أَخَذُوا أَمْوَالًا وَأَخَافُوا وَلَمْ يَقْتُلُوا، فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ تُقْطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَلَا يَقْتُلُهُمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، أَيُضَمِّنُهُمْ الْمَالَ الَّذِي أَخَذُوا وَقَدْ اسْتَهْلَكُوهُ في أَمْوَالِهِمْ أَمْ لَا؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مِثْلُ السَّرِقَةِ، وَأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يَوْمَئِذٍ وَلَا يُتْبَعُونَ بِهِ دَيْنًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ قَتَلَ قَتْلَ غِيلَةٍ وَرُفِعَ إلَى قَاضٍ مِنْ الْقُضَاةِ، فَرَأَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ وَأَنْ يُمَكِّنَ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ مِنْهُ، فَفَعَلَ فَعَفَوْا عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَرُفِعَ إلَيْهِ، أَفَتَرَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَمْ لَا يَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ قَبْلَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَقْتُلَهُ.
لِأَنَّهُ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فيهِ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: مَنْ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ في حَرِيمِهِ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِ يُحْكَمُ فيهِ كَمَا يُحْكَمُ في الْمُحَارِبِ.
قُلْت: أَرَأَيْت قَوْمًا مُحَارِبِينَ شَهِدَ عَلَيْهِمْ الشُّهُودُ بِالْحِرَابَةِ، فَقَتَلَهُمْ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ تُزَكَّى الْبَيِّنَةُ وَقَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ الْقَاضِي بِقَتْلِهِمْ، كَيْفَ يَصْنَعُ مَالِكٌ بِهَذَا الَّذِي قَتَلَهُمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ أُدِّبَ هَذَا الَّذِي قَتَلَهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ لَمْ تُزَكَّ الْبَيِّنَةُ وَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ أَيَقْتُلُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمُحَارِبِينَ، أَجِهَادُهُمْ عِنْدَ مَالِكٍ جِهَادٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ جِهَادُهُمْ جِهَادٌ.
قُلْت: فَإِنْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِإِقْرَارِهِ بِالْحِرَابَةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، أَيُقِيمُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْحَدَّ حَدَّ الْحِرَابَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُقَامُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ.

.كِتَابُ الْجِرَاحَاتِ:

.بَابُ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ:

قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ يَعْرِفُ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ في الْجِرَاحَاتِ أَوْ في قَتْلِ النَّفْسِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: شِبْهُ الْعَمْدِ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَلَا أَعْرِفُ شِبْهَ الْعَمْدِ.
قُلْت: فَفي أَيِّ شَيْءٍ يَرَى مَالِكٌ الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في مِثْلِ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ بِابْنِهِ فَقَطْ، لَا يَرَاهُ إلَّا في الْوَالِدِ في وَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ فَحَذَفَهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ كَانَ غَيْرُ الْوَالِدِ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ قُتِلَ بِهِ، فَإِنَّ الْوَالِدَ يُدْرَأُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَوَدُ، وَتُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، عَلَى الْوَالِدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْخَلِفَةُ: الَّتِي في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا.
قُلْت: فَهَلْ ذَكَرَ لَكُمْ مَالِكٌ أَنَّ أَسْنَانَ هَؤُلَاءِ الْخَلِفَاتِ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا يُبَالِي أَيَّ الْأَسْنَانِ كَانَتْ.
قُلْت: فَهَلْ تُؤْخَذُ هَذِهِ الدِّيَةُ حَالَّةً أَمْ في ثَلَاثِ سِنِينَ؟ قَالَ بَلْ حَالَّةً.
أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِسُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ: أَعْدِدْ عَلَى قَدِيدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ في أَخٍ وَلَا زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ وَلَا في أَحَدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ مَالِكٍ في الْجَدِّ، أَنَّهُ يَرَاهُ مِثْلَ الْأَبِ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَرَى الْأُمَّ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، التَّغْلِيظَ وَهِيَ أَقْعَدُهُمَا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَهَلْ تُغَلَّظُ الدِّيَةُ في وَلَدِ الْوَلَدِ؟
قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَاهُ مِثْلَ الْأَبِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُغَلَّظُ الدِّيَةِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
قَالَ: وَلَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ قَتَلَ خَطَأً في الْحَرَمِ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا، وَلَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت التَّغْلِيظَ في قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ كَيْفَ هُوَ؟
قَالَ: نَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ الثَّلَاثِينَ جَذَعَةً وَالثَّلَاثِينَ حِقَّةً وَالْأَرْبَعِينَ خَلِفَةً.
فَنَعْرِفُ كَمْ قِيمَتُهُنَّ.
ثُمَّ نَنْظُرُ إلَى دِيَةِ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا مِنْ الْأَسْنَانِ، عِشْرِينَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ ذُكُورٍ وَعِشْرِينَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَعِشْرِينَ حِقَّةً وَعِشْرِينَ جَذَعَةً، فَنَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ هَذِهِ.
ثُمَّ نَنْظُرُ كَمْ فَضْلُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مَا بَيْنَ قِيمَةِ دِيَةِ التَّغْلِيظِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ، فيزَادُ في الدِّيَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ إنْ كَانَ خُمُسًا أَوْ سُدُسًا أَوْ رُبُعًا.
قُلْت: وَلَمْ يَذْكُرْ لَكُمْ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ قَدْ وُقِّتَ فيمَا مَضَى، وَلَا يَكُونُ لِأَهْلِ زَمَانِنَا أَنْ يَنْظُرُوا في زِيَادَتِهِ الْيَوْمَ؟
قَالَ: لَا، لَمْ يَذْكُرْ لَنَا مَالِكٌ ذَلِكَ.
قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ إلَى ذَلِكَ في كُلِّ زَمَانٍ، فيزَادُ في الدِّيَةِ قَدْرُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْت لَك.
وَتَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يُنْظَرَ كَمْ دِيَةُ الْمُغَلَّظَةِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِيَةُ الْخَطَأِ سِتُّمِائَةٍ، فَالْعَقْلُ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ الثُّلُثُ حُمِلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ.
قُلْت: فَالدِّيَةُ مِنْ الْوَرِقِ.
قَالَ: فَانْظُرْ أَبَدًا مَا زَادَتْ دِيَةُ الْمُغَلَّظَةِ عَلَى دِيَةِ الْخَطَأِ كَمْ هُوَ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ فَاحْمِلْهُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَنَنْظُرُ كَمْ هُوَ مِنْ دِيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ فيمَا تُغَلَّظُ فيهِ.
قُلْت: فَإِنْ غَلَتْ أَسْنَانُ الْمُغَلَّظَةِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِثْلَيْ دِيَةِ الْخَطَأِ، أَيُزَادُ في الدِّيَةِ دِيَةٌ أُخْرَى مِثْلُهَا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زِدْت عَلَيْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ، في جِرَاحَاتِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، إنْ كَانَ بِحَالِ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ بِابْنِهِ في التَّغْلِيظِ مِثْلَ مَا في النَّفْسِ، وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ ابْنِهِ وَعَاشَ الْوَلَدُ كَانَتْ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، خَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَخَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، فَعَلَى هَذَا فَقِسْ جِرَاحَاتِهَا كُلَّهَا.
قُلْت: وَمَا بَلَغَ مِنْ جِرَاحَاتِ الْوَالِدِ ابْنَهُ الثُّلُثَ، حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ مُغَلَّظَةً، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ في مَالِ الْوَالِدِ مُغَلَّظًا عَلَى الْوَالِدِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَحْمِلَهُ الْعَاقِلَةُ عَلَى حَالٍ، وَأَرَاهُ في مَالِ الْوَالِدِ، وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ في مَالِ الْأَبِ مُغَلَّظًا عَلَى الْوَالِدِ.
قُلْت: وَلَا يَرِثُ الْأَبُ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ فَدَفَعَ إلَيْهِ الدِّيَةَ دُونَ الْوَالِدِ.
قُلْت: أَفيرِثُ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ قَتَلَهُ بِحَالِ مَا فَعَلَ الْمُدْلِجِيُّ بِابْنِهِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ لَا يَرِثَ مِنْ مَالِهِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، لِأَنَّهُ مِنْ الْعَمْد وَلَيْسَ مِنْ الْخَطَأِ.
وَلَوْ كَانَ مِنْ الْخَطَأِ لَحَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ، وَهُوَ مِمَّا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَرِثْ مِنْ مَالِهِ، فَهُوَ والأجنبيون في الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ، وَإِنْ صَرَفَ عَنْهُ الْقَوَدَ وَالْأَبُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ في الْقَوَدِ.
وَلَقَدْ قَالَ نَاسٌ: وَإِنْ عَمَدَ لِلْقَتْلِ فَلَا يُقْتَلُ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى هَذَا.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ لِقَتْلِ ابْنِهِ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا لَيْسَ مِثْلَ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ، أَوْ وَالِدَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا مُتَعَمِّدَةً لِذَبْحِهِ، أَوْ لِتَشُقَّ بَطْنَهُ مِمَّا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهَا تَعَمَّدَتْ لِلْقَتْلِ نَفْسِهِ لَا شَكَّ في ذَلِكَ، فَأَرَى في ذَلِكَ الْقَوَدَ، يُقْتَلَانِ بِهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ وَالْقِيَامُ بِذَلِكَ.
قُلْت: وَالْوَالِدَةُ في وَلَدِهَا إذَا صَنَعَتْ ذَلِكَ مِثْلُ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ بِابْنِهِ، فَهِيَ في ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ لَا قَوَدَ عَلَيْهَا وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ وَهِيَ أَعْظَمُ حُرْمَةً.

.تَفْسِيرُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ:

قُلْت: أَرَأَيْت مَا تَعَمَّدْت مِنْ ضَرْبَةٍ بِلَطْمَةٍ أَوْ بِلَكْزَةٍ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِقَضِيبٍ أَوْ بِعَصًا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَفيه الْقَوَدُ إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في هَذَا كُلِّهِ الْقَوَدُ إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءُ مِنْ وَجْهِ الْعَمْدِ لَا قَوَدَ فيهَا، مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يَصْطَدِعَانِ فيصْدَعُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، أَوْ يَتَرَامَيَانِ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ أَوْ يَأْخُذُ بِرِجْلِهِ عَلَى حَالِ اللَّعِبِ فيسْقُطُ فيمُوتُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّمَا في هَذِهِ الدِّيَةُ دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ تَعَمَّدَ هَذَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ اللَّعِبِ، وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْقِتَالِ فَصَرَعَهُ فَمَاتَ، أَوْ أَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَقَطَ فَمَاتَ كَانَ في هَذَا كُلِّهِ الْقِصَاصُ.
دِيَةُ الْأَنْفِ.
قلت: أَرَأَيْت الْأَنْفَ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ فيهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
قُلْت: فَإِنْ قُطِعَ مِنْ الْمَارِنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قُطِعَ مِنْ الْعَظْمِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمَارِنِ، فَفيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
قُلْت: فَمَنْ قَطَعَ الْمَارِنَ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ إذَا قَطَعَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ قَطَعَهُ مِنْ الْمَارِنِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، إنَّمَا فيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَطَعَ حَشَفَةَ رَجُلٍ فَفيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً.
وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَ رَجُلٍ مِنْ أَصْلِهِ فَفيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
فَدِيَةُ الْحَشَفَةِ وَدِيَةُ الذَّكَرِ كُلِّهِ سَوَاءٌ عِنْد مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الْمَارِنُ وَالْأَنْفُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَذَلِكَ في الدِّيَةِ سَوَاءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ خَرَمَ أَنْفَهُ، أَفيهِ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الَّذِي سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: في كُلِّ نَافِذَةٍ في عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ إذَا بَرِئَ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَثْلٍ، فَلَا شَيْءَ فيهِ، لَا حُكُومَةَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ.
وَإِنْ بَرِئَ عَلَى عَثْلٍ فَفيهِ الِاجْتِهَادُ.
وَأَرَى في الْأَنْفِ إنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فيهِ، وَإِنْ بَرِئَ عَلَى عَثْلٍ فَفيهِ الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ في هَذَا الْقَوْلِ في كُلِّ نَافِذَةِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ ثُلُثَ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.

.عَقْلُ الْمُوضِحَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُوضِحَةَ إذَا بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ وَثَبَتَ الشَّعْرُ في مَوْضِعِ الشَّجَّةِ، أَيَكُونُ فيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى عَثْلٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ كَانَ في ذَلِكَ الشَّيْنِ الِاجْتِهَادُ مَعَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ أَيْضًا.
قُلْت: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ إذَا بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ وَبَيْنَ الْأَنْفِ إذَا خَرَمَهُ فَبَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ قَدْ جَاءَتْ فيهَا دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ، أُثِرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا الْأَنْفُ حِينَ خَرَمَهُ فَلَيْسَ فيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى، وَلَيْسَ فيهِ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَنْظُرُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فيهِ شَيْءٌ جُعِلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ فيهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فيهِ إذَا بَرِأَ عَلَى عَثْلٍ.
فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْأَنْفِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الْأَنْفِ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا هُوَ عَظْمٌ نَاتِئٌ، فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى مَنْ أَوْضَحَ الْأَنْفَ فَبَرِأَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ مُوضِحَةٌ.
قُلْت: فَالْخَدُّ، أَفيهِ مُوضِحَةٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ، أَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَمُوضِحَتُهُ كَمُوضِحَةِ الرَّأْسِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَمَا سِوَى الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ إذَا أُوضِحَ عَلَى الْعَظْمِ فَلَيْسَ فيهِ عَقْلُ الْمُوضِحَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مُوضِحَةَ الْوَجْهِ، أَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنْ تُشِينَ الْوَجْهَ فيزَادَ فيهَا لِشَيْنِهَا.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حِينَ قَالَ: يُزَادُ في مُوضِحَةِ الْوَجْهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِصْفِ عَقْلِ الْمُوضِحَةِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُزَادُ فيهَا عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ إذَا شَانَتْ الْوَجْهَ، فَإِنْ لَمْ تَشِنْ الْوَجْهَ فَلَا يُزَادُ فيهَا شَيْءٌ.

.دِيَةُ اللِّسَانِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ اللِّسَانَ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْكَلَامَ، أَفيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنْ قُطِعَ اللِّسَانُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّمَا فيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَا قُطِعَ مِنْ اللِّسَانِ مِمَّا لَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ؟
قَالَ: إنَّمَا الدِّيَةُ في الْكَلَامِ لَيْسَ في اللِّسَانِ، بِمَنْزِلَةِ الْأُذُنَيْنِ إنَّمَا الدِّيَةُ في السَّمْعِ وَلَيْسَ في الْأُذُنَيْنِ، فَكَذَلِكَ اللِّسَانُ إنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ فيهِ إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ.
قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ مَنْ لِسَانِهِ مَا نَقَصَ مِنْ حُرُوفِهِ؟
قَالَ: يُنْظَرُ فيهِ فيكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا أَقُومُ عَلَى حَفِظَ الْحُرُوفِ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت: فَمَا تَرَى في الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالثَّاءِ وَالرَّاءِ وَالزَّاي، أَكْلُ هَذَا سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ إلَى تَمَامِ الْحُرُوفِ الْعَرَبِيَّةِ فيحْصِيهَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ لِسَانِ هَذَا الرَّجُلِ إذَا كَانَ لِسَانُهُ يَتَكَلَّمُ بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا جُعِلَتْ عَلَى الْجَانِي بِقَدْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ بَلَغَ الثُّلُثَ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ إذَا كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ جَعَلْتُهُ في مَالِهِ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَلَكِنْ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْحُرُوفَ بَعْضُهَا أَثْقَلُ مِنْ بَعْضٍ فيكُونُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ.
قُلْت: فَهَلْ يَقُولُ مَالِكٌ في عَمْدِ اللِّسَانِ الْقَوَدُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ يُسْتَطَاعُ الْقَوَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا، مِثْلُ الْفَخِذِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أُقِيدَ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ مُتْلِفًا مِثْلَ الْفَخِذِ وَالْمُنَقِّلَةِ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ.

.دِيَةُ الذَّكَرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحَشَفَةَ، أَفيهَا الدِّيَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ الذَّكَرَ مِنْ أَصْلِهِ فَفيهِ الدِّيَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ قُطِعَتْ حَشَفَةُ رَجُلٍ خَطَأً فَأَخَذَ الدِّيَةَ، ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَسِيبَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فيهِ الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ حَشَفَةَ رَجُلٍ خَطَأً، أَيُنْتَظَرُ بِهِ أَمْ لَا يُنْتَظَرُ بِهِ؟
قَالَ: يُنْتَظَرُ بِهِ حَتَّى يَبْرَأَ.
قَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يُقَادُ مِنْ الْجَارِحِ عَمْدًا إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ وَحَتَّى يُعْرَفَ إلَى مَا صَارَتْ جِرَاحَاتُهُ إلَيْهِ، فَلَا يَعْقِلُ الْخَطَأَ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ وَحَتَّى يَعْرِفَ إلَى مَا صَارَتْ إلَيْهِ جِرَاحَاتُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَقْطُوعَ حَشَفَتُهُ إنْ قَالَ: لِمَ تَحْبِسُنِي عَنْ أَنْ تَفْرِضَ لِي دِيَتِي مِنْ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا هِيَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، إنْ أَنَا مِتُّ أَوْ عِشْتُ، وَأَنْتَ إنَّمَا تَحْبِسُنِي خَوْفًا مِنْ هَذَا الْقَطْعِ أَنْ تَصِيرَ نَفْسِي فيهِ؟
قَالَ: لِأَنِّي لَا أَدْرِي إلَى مَا يَئُولُ هَذَا الْقَطْعُ، لَعَلَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ سَيَذْهَبُ مِنْ هَذَا الْقَطْعِ، فَلَا أَعْجَلُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَى مَا تَصِيرُ إلَيْهِ شَجَّتُهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوضِحَةَ - إنْ طَلَبَ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ دِيَتَهَا وَقَالَ: لَا تَحْبِسْنِي بِهَا - أَنِّي لَا أُعَجِّلُهَا لَهُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَى مَا تَصِيرُ شَجَّتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ - مُوضِحَةً - إنْ قَالَ: عَجِّلْ لِي دِيَةَ مُوَضِّحَتِي، فَإِنْ آلَتْ إلَيَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زِدْتَنِي، وَإِنْ لَمْ تَؤُلْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُنْتُ قَدْ أَخَذْتُ حَقِّي، إنَّهُ لَا يُعَجَّلُ لَهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ هَذَا.
وَإِنَّمَا في هَذَا الِاتِّبَاعُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْعُلَمَاءِ، أَوْ لَعَلَّهُ أَنْ يَمُوتَ فَتَكُونَ فيهِ الْقَسَامَةُ.
وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَهْلَ الْأَنْدَلُسِ سَأَلُوا مَالِكًا عَنْ اللِّسَانِ إذَا قُطِعَ وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَنْبُتُ فَرَأَيْتُ مَالِكًا يُصْغِي إلَى أَنْ لَا تُعَجَّلَ لَهُ فيهِ حَتَّى يُنْظَرَ إلَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْقَطْعُ قَدْ مَنَعَهُ الْكَلَامَ.
قُلْت: في الدِّيَةِ أَوْ في الْقَوَدِ؟
قَالَ: في الدِّيَةِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقَوَدُ في اللِّسَانِ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ قَوَدُ ذَلِكَ، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ فَفيهِ الْقَوَدُ.
يُرِيدُ مِثْلَ خَوْفِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا قَوَدَ فيهِنَّ لِمَا يُخَافُ فيهِنَّ، فَإِنْ كَانَ اللِّسَانُ مِمَّا يُخَافُ فَلَا قَوَدَ فيهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا قُطِعَ مَنْ طَرَفِ الْحَشَفَةِ، أَيُّ شَيْءٍ فيهِ، أَبِحِسَابِ الذَّكَرِ أَمْ إنَّمَا يُقَاسُ مِنْ الْحَشَفَةِ، فيجْعَلُ عَلَى الْجَانِي بِحِسَابِ مَا يُصِيبُ مَا قَطَعَ مَنْ الْحَشَفَةِ مَنْ الدِّيَةِ؟
قَالَ: إنَّمَا تُقَاسُ الْحَشَفَةُ، فينْظَرُ إلَى مَا قُطِعَ مِنْهَا فيقَاسُ، فَمَا نَقَصَ مِنْ الْحَشَفَةِ كَانَ عَلَيْهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَةِ.
قُلْت: وَلَا يُقَاسُ مِنْ أَصْلِ الذَّكَرِ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَدَ لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْمَنْكِبِ كَانَ عَقْلُهَا قَدْ تَمَّ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْهَا أُنْمُلَةٌ مِنْ الْأَنَامِلِ إنَّمَا هِيَ عَلَى حِسَابِ الْأَصَابِعِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْيَدِ كُلِّهَا وَكَذَلِكَ الْحَشَفَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا قُطِعَ مَنْ الْأَنْفِ، مَنْ أَيْنَ يُحْسَبُ إذَا كَانَ مِنْ طَرَفِهِ أَمِنْ أَصْلِهِ أَمْ مِنْ الْمَارِنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُحْسَبُ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ مِنْ الْمَارِنِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشَفَةِ.

.مَا جَاءَ في الصُّلْبِ وَالْهَاشِمَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَأَخَوَاتِهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الصُّلْبَ إذَا ضَرَبَهُ الرَّجُلُ فَحَدِبَ، أَتَكُونُ فيهِ الدِّيَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الصُّلْبِ الدِّيَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ في الصُّلْبِ إذَا أَقْعَدَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ، مِثْلُ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ، فَأَمَّا إذَا مَشَى فَأَصَابَهُ في ذَلِكَ عَثْلٌ أَوْ حَدَبٌ فَإِنَّمَا يُجْتَهَدُ لَهُ فيهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت الصُّلْبَ إذَا كَسَرَهُ رَجُلٌ فَبَرِأَ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ، أَتَكُونُ فيهِ الدِّيَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَيْسَ فيهِ دِيَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: في كُلِّ كَسْرٍ خَطَأٍ، أَنَّهُ إذَا بَرِأَ أَوْ عَادَ لِهَيْئَتِهِ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ فيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمْدًا يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ فيهِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَظْمًا - إلَّا في الْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْجَائِفَةِ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ - فَلَا شَيْءَ فيهِ مِنْ الْقَوَدِ إلَّا الدِّيَةُ في عَمْدِ ذَلِكَ مَعَ الْأَدَبِ في الْعَمْدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْهَاشِمَةَ، أَفيهَا الْقَوَدُ عِنْدَ مَالِكٍ، في الرَّأْسِ كَانَتْ أَوْ في عَظْمٍ مِنْ الْجَسَدِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا عِظَامُ الْجَسَدِ فَفيهَا الْقَوَدُ مِنْ الْهَاشِمَةِ إلَّا مَا كَانَ مَخُوفًا، مِثْلَ الْفَخِذِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا قَوَدَ فيهِ.
وَأَمَّا الرَّأْسُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَلَمْ أَسْمَعْ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى فيهِ قَوَدًا لِأَنِّي لَا أَجِدُ هَاشِمَةً تَكُونُ في الرَّأْسِ إلَّا كَانَتْ مُنَقِّلَةً، وَأَمَّا الْبَاضِعَةُ وَالْمِلْطَأَةُ وَالدَّامِيَةُ وَمَا أَشْبَهُهَا وَمَا يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ فَفيهِ الْقَوَدُ في الْعَمْدِ، كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْهَاشِمَةُ في الرَّأْسِ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ.

.مَا جَاءَ في دِيَةِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْأُذُنَيْنِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَالِكًا، هَلْ كَانَ يَقُولُ مَالِكٌ إنَّ في الْعَقْلِ الدِّيَةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ في الْعَقْلِ الدِّيَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ تَكُونُ الدِّيَةُ فيمَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ الْعَقْلِ.
قُلْت لَهُ: مَا يَقُولُ مَالِكٌ في الْأُذُنِ إذَا اُصْطُلِمَتْ أَوْ ضُرِبَتْ فَشُدِخَتْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فيهَا إلَّا الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَاصْطَلَمَتْ أُذُنَاهُ، أَتَكُونُ فيهِمَا دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْأُذُنَيْنِ إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا فَفيهِ الدِّيَةُ، اصْطَلَمَتَا أَوْ لَمْ تَصْطَلِمَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأُذُنَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا رَجُلٌ عَمْدًا فَرَدَّهُمَا صَاحِبُهُمَا فَثَبَتَتَا، أَوْ السِّنَّ إذَا أَسْقَطَهَا الرَّجُلُ عَمْدًا فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فَبَرِئَتْ وَثَبَتَتْ، أَيَكُونُ الْقَوَدُ عَلَى قَاطِعِ الْأُذُنِ أَوْ الْقَالِعِ السِّنَّ؟
قَالَ: سَمِعَتْهُمْ يَسْأَلُونَ عَنْهَا مَالِكًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ فيهَا شَيْئًا.
قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: في السِّنِّ الْقَوَدُ وَإِنْ ثَبَتَتْ وَهُوَ رَأْيِي، وَالْأُذُنُ عِنْدِي مِثْلُهُ، أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ.
وَاَلَّذِي بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ في السِّنِّ - لَا أَدْرِي أَهُوَ في الْعَمْدِ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَوْ في الْخَطَأِ - أَنَّ فيهِ الْعَقْلَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عِنْدِي سَوَاءٌ في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.

.بَابُ مَا جَاءَ في الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَسْنَانَ وَالْأَضْرَاسَ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَكَمْ في كُلِّ سِنٍّ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ سِنًّا سَوْدَاءَ؟
قَالَ: فيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فيهَا إلَّا الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ سِنًّا مَأْكُولَةً فَذَهَبَ بَعْضُهَا فَقَلَعَهَا رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى في هَذَا عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ غَيْرُ تَامٍّ.

.مَا جَاءَ في الْأَلْيَتَيْنِ وَالثَّدْيَيْنِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالْحَاجِبِينَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ أَلْيَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، أَفيهِمَا الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِهِ في هَذَا، وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّ في هَذَا الْحُكُومَةَ.
قُلْت: لِمَ؟ وَهَذَا زَوْجٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَعَلَى مَا قُلْتهُ.
قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ في ثَدْيَيْ الرَّجُلِ إلَّا الِاجْتِهَادُ وَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّأْسَ إذَا حُلِقَ فَلَمْ يَنْبُتْ، أَيُّ شَيْءٍ فيهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ فيهِ شَيْئًا.
قُلْت: فَاللِّحْيَةُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهَا شَيْئًا، وَأَرَى فيهِمَا جَمِيعًا حُكُومَةً عَلَى الِاجْتِهَادِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَقَهُمَا عَمْدًا، حَلَقَ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ عَمْدًا، أَيَكُونُ فيهِمَا الْقِصَاصُ؟
قَالَ: لَا، إلَّا الْأَدَبُ، وَالْحَاجِبَانِ مِثْلُ ذَلِكَ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَيْنَ إذَا ابْيَضَّتْ أَوْ انْخَسَفَتْ أَوْ ذَهَبَ بَصَرُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ خَطَأً فَفيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَخَسَفَهَا خُسِفَتْ عَيْنُهُ.
وَإِنْ لَمْ تَنْخَسِفْ وَكَانَتْ قَائِمَةً وَذَهَبَ بَصَرُهَا كُلُّهُ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ أُقِيدَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ.
قَالَ: وَالْبَيَاضُ عِنْدِي مِثْلُ الْقَائِمِ الْعَيْنِ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ أُقِيدَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَهَا فَنَزَلَ الْمَاءُ فَأَخَذَ الدِّيَةَ، أَوْ ابْيَضَّتْ فَأَخَذَ الدِّيَةَ، فَبَرِئَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَتُرَدُّ الدِّيَةُ إلَيْهِ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ وَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: فَكَمْ يُنْتَظَرُ بِالْعَيْنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: سَنَةً.
قُلْت: فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ، وَالْعَيْنُ مُنْخَسِفَةٌ لَمْ يَبْرَأْ جُرْحُهَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يُنْتَظَرَ حَتَّى يَبْرَأَ الْجُرْحُ، لِأَنَّهُ لَا قَوَدَ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ.
وَكَذَلِكَ في الدِّيَةِ أَيْضًا إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْبُرْءِ.
قُلْت: وَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ في الْعَيْنِ إذَا ضُرِبَتْ فَسَالَ دَمْعُهَا فَلَمْ يَرْقَأْ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ إلَّا في الْعَيْنِ إذَا ضُرِبَتْ فَدَمَعَتْ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهَا سَنَةً.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَرْقَأْ دَمْعُهَا؟
قَالَ: أَرَى فيهَا حُكُومَةً.

.مَا جَاءَ في شَلَلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْيَدَ إذَا شُلَّتْ أَوْ الرِّجْلَ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ فيهِمَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَدْ تَمَّ عَقْلُهُمَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ عَمْدًا فَشُلَّتْ يَدُهُ، هَلْ فيهَا الْقِصَاصُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ في الْيَدِ وَالرِّجْلِ الْقَوَدُ، وَيُضْرَبُ الضَّارِبُ كَمَا ضَرَبَ يُقْتَصُّ لِهَذَا الْمَضْرُوبِ مِنْ الضَّارِبِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ شُلَّتْ يَدُ الضَّارِبِ وَإِلَّا كَانَ عَقْلُ الْيَدِ في مَالِ الضَّارِبِ وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ.
قُلْت: مَنْ يَسْتَقِيدُ الْمَضْرُوبُ أَوْ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُمَكَّنُ الَّذِي لَهُ الْقَوَدُ مِنْ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ، إنَّمَا يُدْعَى لَهُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِصَاصَ فيقْتَصُّ لَهُ وَلَا يُمَكِّنُ الْمَجْرُوحَ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْأَصَابِعَ إذَا شُلَّتْ، أَفيهَا دِيَتُهَا كَامِلَةً في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ قَطَعَ هَذِهِ الْأَصَابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ خَطَأً؟
قَالَ: قَالَ: فيهَا حُكُومَةٌ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ عَمْدًا؟
قَالَ: فَلَا قَوَدَ فيهَا وَفيهَا الْحُكُومَةُ في مَالِ الْجَانِي عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأُنْثَيَيْنِ، أَفيهِمَا الدِّيَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخْرَجَ الْبَيْضَتَيْنِ أَوْ رَضَّهُمَا، أَفيهِمَا الدِّيَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنْ الْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ، فَإِذَا أُهْلِكَتْ الْبَيْضَتَانِ فَقَدْ تَمَّتْ الدِّيَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخْرَجَهُمَا عَمْدًا أَوْ رَضَّهُمَا عَمْدًا، أَيُجْعَلُ فيهِمَا الْقِصَاصُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْأُنْثَيَيْنِ الْقِصَاصُ، وَلَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ في الرَّضِّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ في الْفَخِذِ إذَا كُسِرَ: فَلَا قَوَدَ فيهِ، لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ أَنْ لَا يَحْيَا مِنْهُ، فَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْأُنْثَيَيْنِ هَذِهِ وَكَانَتَا مُتْلِفَتَيْنِ فَلَا قَوَدَ فيهِمَا، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في كُلِّ مَا كَانَ مُتْلِفًا مِنْ فَخِذٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ صُلْبٍ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُتْلِفٌ، فَلَا قَوَدَ فيهِ مِثْلُ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ لَا ذَكَرَ لَهُ وَلَهُ أُنْثَيَانِ.
فَقَطَعَ رَجُلٌ أُنْثَيَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فيمَنْ قَطَعَ ذَكَرَ رَجُلٍ وَأُنْثَيَيْهِ جَمِيعًا: إنَّ عَلَيْهِ دِيَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْ الذَّكَرَ فَفيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَفيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ ثُمَّ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَفي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفي الْأُنْثَيَيْنِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
قُلْت: فَمَنْ لَا ذَكَرَ لَهُ، أَفي أُنْثَيَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: وَمَنْ لَا أُنْثَيَيْنِ لَهُ، أَفي ذَكَرِهِ الدِّيَةُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبَيْضَتَيْنِ، أَهَمَّا سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى؟
قَالَ: نَعَمْ في كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عِنْدَ مَالِكٍ.

.بَابُ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ وَالْجُفُونِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَالصَّغِيرَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّفَتَيْنِ، أَهَمَّا سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُمَا سَوَاءٌ، في كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ جُفُونَ الْعَيْنَيْنِ، أَفيهِمَا الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَيْسَ في الْجُفُونِ إلَّا الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: وَأَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ كَذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ إنَّمَا فيهِمَا الِاجْتِهَادُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحَاجِبَيْنِ، أَفيهِمَا الدِّيَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فيهِمَا إلَّا الْحُكُومَةُ إذَا لَمْ يَنْبُتَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ طَرَفَ ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ، أَفيهِمَا الدِّيَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَفي حَلَمَتَيْهِمَا الدِّيَةُ أَيْضًا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِمَا شَيْئًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَ قَدْ أَبْطَلَ مَخْرَجَ اللَّبَنِ أَوْ أَفْسَدَهُ فَفيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصَّغِيرَةَ إذَا قُطِعَ ثَدْيَاهَا وَالْكَبِيرَةَ، أَهُمَّا سَوَاءٌ في قَوْلَ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ يُنْظَرَ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ ثَدْيَيْهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا ثَدْيٌ أَبَدًا رَأَيْتُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَكَّ في ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُوضَعَ لَهَا الْعَقْلُ وَيُسْتَأْنَى بِهَا مِثْلَ السِّنِّ، فَإِنْ نَبَتَتْ فَلَا عَقْلَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَفيهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ انْتَظَرَتْ فيبِسَتْ فَفيهِمَا الدِّيَةُ أَيْضًا، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ كَانَتْ فيهِمَا لَهَا الدِّيَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ، مَا فيهِمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: حُكُومَةٌ.